السعاده الحقيقية

كما أسلفنا في مقالات سابقة بالحديث عن السعادة الحقيقية ضمن سلسلة التطوير الذاتي، فقد تكون كلمة السعادة كلمة خفيفة الذكر، لكنها في معناها حيّرت الفلاسفة والمتكلمين منذ القدم، وأتعبت الناس في فهمها والوصول إليها. فمنهم من راح يبحث عن السعادة الحقيقية في جمع الثروات، ومنهم من بحث عنها في الشهرة ومدح الناس، ومنهم من ظنها بامتلاك السلطة والقوة…. ويبقى السؤال الذي يراود الجميع: أين أجد السعادة الحقيقية؟

يأتي الإنسان إلى الوجود طفلًا لا يملك مالًا ولا سلطةً ولا قوةً ولا يفهم إن امتدح الناس شكله وجماله، ولا يميّز كيف يفرح أهله بحركاته، ومع كل هذا، فإنه ما إن يحصل على طعامه من أمه، حتى يكون في أوج السعادة الحقيقية التي يطمح إليها. يكبر أكثر، فيفرح فرحًا عظيمًا بقطعة حلوى صغيرة، أو لعبة جديدة (مهما كانت رخيصة ومبتذلة). يكبر أكثر فيفرح بنجاحاته في المدرسة وبرضى الأهل والمدرسين عنه.

لكنه بعد ذلك، يتوه في البحث عن أسباب السعادة الحقيقية، فلا عاد الطعام يمنحه إياها، ولا الشراب ولا الألعاب الجديدة (مهما كانت باهظة الثمن!) ولا عاد نجاحه في العمل هو السبب الرئيسي للسعادة الحقيقية لديه!

قد يعتقد لوهلة أن زواجه من إنسانة معينة سيمنحه السعادة الحقيقية، أو إنجابه لطفل، ذكرًا كان أو أنثى! لكنه بعد مضي العمر، سيدرك أنه كان يجري وراء حلم لم يحققه، ويطويه التراب جاهلًا وحيدًا وحزينًا.

ولتفادي هذه النهايات، يسعى كل الناس وراء السعادة الحقيقية، ويحاولون معرفتها بطرق فلسفية، أو بمبادئ عميقة، قد يصيب بعضها وقد يخطأ.

كيف يحصل الأطفال على السعادة الحقيقية؟

لكي نعرف السعادة الحقيقية، يجب أن نعرف كيف وصل إليها من وصل. قد تكون رؤية شخص وصل إلى السعادة الحقيقية أمرًا مستحيلًا هذه الأيام! في هذه الحالة، يعتبر المثال الأقرب إلينا هم الأطفال. كيف يصلون إلى السعادة رغم أن الظروف التي يعيشونها هي عين الظروف التي نعيشها؟ ألا نرى الأهل غارقين في الهموم والأكدار، بينما أطفالهم يفيضون بالفرح والسعادة؟ الإجابة ليست كما يعتقد البعض، أن السبب هو جهلهم بما حولهم، فالأطفال وكما تثبت معظم الدراسات النفسية، يشعرون تماما بما حولهم، ويعرفون حين يكون الأهل في ظروف مريحة أو خلاف ذلك!

السر يكمن في الرضى والقناعة، الطفل يملك قدرة مدهشة على التكيف مع ظروفه بحثًا عمّا يسعده، بينما يجتهد البالغ في تبخيس ما بين يديه، بحثًا عما هو أفضل.